اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو
إمتنان بحجم المحبة وسموّها

بقلم – الناقد – عبد الجبار ناصر …. الشاعر جواد الحطاب
…..ج……………………….ح….
..
في كتابي الجديد، عن جواد الحطاب
عرفت “جواد الحطّاب” منذ السبعينات عندما عملنا معا في مجلة “الإذاعة والتلفزيون” التي طار صيتها في عهد رئيسي تحريرها الصديقين الأديبين كامل الشرقي وأمجد توفيق، فكانت المطبوع الأكثر انتشارا والأكثر قراءة. منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، بقي الحطاب كما عرفته؛ شاعرا وسط الناس، غائرا في معاناة العراقيين. لا أبالغ إذا ما قلت إنه أقرب الشعراء- أو من يكتبون الشعر، أو من ينسبون أنفسهم إلى الأجداد من طرفة العبد إلى جرير والمتنبي والمعري وأبي تمام والبحتري والسياب- إلى أهله ومحنهم المذهلة. تسمع منه في أحاديثه العابرة مفردات شعبية جنوبية قد يجهلها الكثيرون من محترفي الأدب، تطعم حكايات ممتعة من أحاديث جده وأبيه وأمه والتي ظلت منحوتة على جدار ذاكرته. وربما كانت تلك الحكايات التي يسردها بطريقته الخاصة المغرية، إضافة إلى حماسته في إلقاء قصائده، هي من جمعت حوله حلقة كبيرة من محبيه والمعجبين به.
أقول بإيجاز عن قصائده إنها تشترك في سمات مميزة مسجلة باسمه، منها أسلوبه البارع والمتقن في التعبير، المؤلم والمرير أحيانا، وما يسطره من رؤى وأفكار وصفات. لا يقف على حافة جرف الكارثة ببذلة أنيقة ويداه الناعمتان في جيبيه، بل ينحدر ليغوص في غبار الفاجعة، يجر قارئه إلى القاع، إلى الدم المسفوح، إلى المغدورين الأبرياء، إلى الخراب، وينتقل فجأة إلى وجوه الغادرين مصوبا نحوها السلاح الوحيد الذي يملكه: الكلمات. والحطاب يملك خزينا كبيرا من الكلمات ذات المعاني الدلالية والمفردات التي يلتقطها بيسر وكأنها ما وجدت إلا له.
ومن سمات قصائده أيضا: استخدامه الأنيق للتكرار الذي يعده كبار النقاد في الغرب بأنه أقوى أداة في الشعر، لكن شاعرنا يستخدمه في الموقع المناسب وبحذر. التكرار عند الحطاب يظهر لمسة خفيفة توحد القصيدة وتضفي عليها جودة تشبه الأغنية التي تطرب لها الأسماع.
ومن سمات شعر الحطاب أن قصائده مكتوبة بإحكام، ولا يمكن للقارئ أن يضع مقطعا منها مكان الآخر. ومع أنها تصور الدمار والفوضى، إلا أن معظم قصائده مركّزة لا زيادة فيها ولا نقصان، وخالية من الحشو المبتذل. ربما كان تركيزها من خلال إزالة ما هو غير ضروري أو تنشيط النص بأسلوب مذهل.
يتقن الحطاب كيف يؤثر على عقل وعاطفة قارئه وسامعه، لأن تفاصيله حسية، واضحة، باذخة في الصور، إنسانية في تناولها.