اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو
سيناريو واقعي في زمن سوريالي

- بقلم – حسن النواب
مشهد أول خارجي
الوقت/ عصرا؛
المكان/ بغداد – 1984
تدور الكاميرا على جدارية نصب الحرية؛ نرى سرب حمامٍ يحطُّ بسكينة وهدوء على حافة النصب العلوية، فجأةً نسمع هدير طائرة حربيَّة بشكل خاطف، الكاميرا تلاحق تطاير الحمام فزعاً من النصب إلى سماء تناثرت عليها سحبٌ دكناء.. قطع؛ فتى بوجه حنطي وبنطلون جينز حائل اللون وقميص اسود يحمل بيده مجموعة كتب وأوراق يحثُّ الخطى بشارع عام ويحدِّق إلى السماء على أمل رؤية الطائرة دون جدوى.. ونسمع صوت القصف يبدو بعيداً عن المكان مصحوباً بصوت لعلعة مقاومة الطائرات.. قطع، أناس بسطاء يتراكضون تحت النصب إلى جهة ما مع صوت رصاص المقاومات.. قطع، الفتى الحنطي يدخل مرتبكاً من بوَّابة عريضة إلى مبنى اتحاد الأدباء والكتاب في ساحة الأندلس؛ يعترض طريقه موظف الاستعلامات الذي يرتدي الملابس الزيتونية..
موظف الاستعلامات (بصوت حاد): هاي لوين أخي؟
يتوقَّف الفتى متسمراً بمكانه وقد اعتلى وجهه بعض الخجل..
الفتى الحنطي: عفواً أستاذ؛ أريد أدخل للنادي.
موظف الاستعلامات: بهذي السهوله تريد تدخل، اشكلولك؛ خانج خان؟
الفتى الحنطي: (مندهشاً) أعرفْ مو خانج خان.
موظف الاستعلامات: ابني هذا نادي مال أدباء محترم
الفتى الحنطي: أعرف؛ وأتشرف أدخله..
موظف الاستعلامات (وقد تمكَّنَ منهُ): تعال هنا..
يقترب الفتى الحنطي منه وقد ازداد ارتباكا وخجلا: نعم أستاذ
موظف الاستعلامات: أولا آني مو أستاذ؛ آني الرفيق أبو قتيبه..
الفتى الحنطي: أتشرَّف بيك
موظف الاستعلامات (ينتبه إلى كتبٍ بيد الفتى): حضرتك عضو بالاتحاد؟
الفتى الحنطي: لا والله مع الأسف؛ بس آني شاعر وجندي بالجبهة.
موظف الاستعلامات: شاعر وجندي ؟!، لعد ليش مو عضو بالاتحاد؟
الفتى الحنطي (يلوذ بصمته)
موظف الاستعلامات: أخويه هذا النادي؛ لأعضاء الاتحاد وضيوفهم فقط.
الفتى الحنطي: الحقيقة أستاذ..
موظف الاستعلامات مقاطعا: الرفيق أبو قتيبه.. كول.. لو تكوول أستاذ..
الفتى الحنطي: العفو حجّي..
موظف الاستعلامات (بان عليه الغضب): حجّي شنو؟!
الفتى الحنطي (بحرج): العفو؛ شوية دخت؛ بغداد أدوّخ رفيق أبو قتيبه؛ لأن آني بصراحة أدخل هذا المكان أوَّل مرة؛ وما أعرف التعليمات.
موظف الاستعلامات: لازم انته مو من بغداد..
الفتى الحنطي: آني من كربلاء..
موظف الاستعلامات: ها من كربلاء؛ يا أهلا وسهلا.. بس يؤسفني ما أكدر أدخلك النادي؛ لأن مثل ما كتلك؛ الدخول للأعضاء وضيوفهم وبس. فجأة يترك موظف الاستعلامات الفتى الحنطي بارتباك وهو يصيح: أوكف على صفحه؛ أوكف على صفحه بسرعه..
يمتثل الفتى الحنطي ويقف قرب الجدار؛ بينما يهرع موظف الاستعلامات لاستقبال سيارة فارهة تدخل مبنى الاتحاد، ويفتح الباب بتملّق واضح إلى راكبها.. حيث يهبط منها رجل قصير القامة يرتدي ملابس زيتونية يبدو انه رئيس الاتحاد، سرعان ما يختفي في داخل مبنى الإدارة.. ويعود موظف الاستعلامات إلى الفتى الحنطي حانقاً..
موظف الاستعلامات: جان سويتنه مشكله جبيرة..
الفتى الحنطي: (مستغرباً) خير خو ماكو شي
موظف الاستعلامات: على أية حال.. يله أخي تفضل اطلع من البنايه..
الفتى الحنطي (خائفا): صار؛ صار؛ انته تأمر رفيق أبو قتيبه..
وبينما يقرَّر الفتى الحنطي الخروج.. يدخل إلى “الكادر“ رجل نحيف؛ قصير القامة؛ له صلعة متقرِّحة وقد لوَّحتها الشمس وبملابس قديمة وبالية ويبدو عليه الانتشاء؛ ويردّد أهزوجة حربية باستخفاف: “دايمين دايم عركنه بيكم“ هذا الشخص هو جان دمُّو..
موظف الاستعلامات: هلو جان
جان: أهلا أبو قتيبه؛ (ينظر إلى السيارة الفارهة) اليوم عمَّك مشرّف المحل..
موظف الاستعلامات: ها جان؛ بدينه.. بعدنه على أوَّله..
جان (مبتسماً): يابه مشرّف الاتحاد؛ حته لتزعل علينه؛ صُدك.. شلونه مزاج عمك اليوم؟ بشّرني؟ حتَّه أقصفه..
موظف الاستعلامات: لا تقصفه ولا بطيخ؛ انته ممنوع من دخول النادي..
جان: هاي شنو.. يمعوَّد ذاك اليوم شالوا المنع عني..
موظف الاستعلامات: هذا منع جديد؛ صدر اليوم..
جان: وشكد المنع هاي المرَّه؟
موظف الاستعلامات: شهر.. ذاك كتاب المنع بلوحة الإعلانات (يشير بيده إلى جهة ما؛ وينتبه إلى أنَّ الفتي الحنطي مازال واقفاً)
موظف الاستعلامات: ها أخي شو بعدك واكف..
الفتى الحنطي: العفو أبو قتيبه؛ انتظر أستاذ جان..
موظف الاستعلامات: أستاذ جان.. الأخ ينتظرك..
جان (يلتفت إلى الفتى الحنطي): انته هم ممنوع
الفتى الحنطي: تقريباً
جان (يضحك ويظهر نابه الوحيد): يكول تقريباً؛ يعني أكو أمل تدخل موظف الاستعلامات (بعصبية): لا أمل ولاهم يحزنون؛ تفضلوا طلعوا برَّه قبل ما تجيني عقوبه من وراكم..
جان: هو أكو واحد يكدر يعاقب الرفيق أبو قتيبه..
موظف الاستعلامات: جان بلا تعليق رجاءً.. وانطيني عرض اجتافك..
جان: أعصابك عيني أبو قتيبه؛ طالعين من هاي القمامة.
موظف الاستعلامات: جان اطلع بسرعه؛ وإذا تغلط مره ثانيه أخابر الشرطه.
جان: طالعين يابه؛ طالعين.. بعدين لويش تخبص الشرطه بأمور تافهه؛ والبلد في حالة حرب؛ مو تدري أخوانك الشرطه مشغولين ويَّه الانضباطية بالسيطرات؛ (يضحك جان) وانته تعرف الأفراريه ترست البلد.
موظف الاستعلامات (متوتراً): جان راح تصير مو حلوه؛ اطلع وكفيني شرّك. (يلتفت جان إلى الفتى الحنطي قائلاً)
جان: امشي يابه؛ امشي نطلع.. هسَّه يا ريت عرك نادي الأدباء يسكّر؛ أشو كله حبوب ومغشوش مثل بعض الأدباء! امشي يابه امشي.
(لقطة كلوز لموظف الاستعلامات يهزُّ بيده) بينما جان والفتى الحنطي يخرجان من بناية الاتحاد.
موظف الاستعلامات (يزفر حسره وكأنَّه تخلَّص من حملٍ ثقيل): همزين طلع؛ هذا جان كارثة …؟! قطع