اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو
بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل ماكينة الوجع العراقي .. مظفر النواب رجل يشتهي الحزن

بمناسبة الذكرى الثانية لرحيله …
النواب : رجل يشتهي الحزن

شعراء العراق يتربعون على منصات الأبداع العربي والعالمي دون شك وهذا ليس انحيازًا لوطني الذي أعشقه وأعشق كل شبر منه وأعشق ناسه وشعرائه ومثقفيه وكل شي فيه بل أعشق حتى حزنه الذي جعله مظفر النواب شيئًا رائعاً ليعيش معه ومعنا ومع كل المهضومين حقوقهم غير متمتعين بأدنى حرية لا لشيء سوى حبهم للحياة والعيش الكريم، حيث يقول في قصيدته الرائعة عن الحزن :
(يا حزن ياريت أعرفك
جنت اسويلك حديقة ياسمين
وممشى من كاشي الفرح
گدام بيتك يا حزن
جان كتلك لا تمشي وتجيني كل هاي المسافة
اني وحدي جان اجيتك
وحياة حزنك ماعرفتك
چنّك مغير مشيتك
حاط ريحة رخيصة كلّش
يا رخيص اشگد بيچيتك
أمس مر فرح بيّة
سولفتة كثير عنك
راد يعرفك
كتله بس عيونه ماتشبه عيونك
ضحك مني ونزع النظارة
ها،، تو عرفتني
كتله ياحزن الفرح ما ظن نسيتك
وانت بيّ
بثوبي، بعيوني، بمخدتي
انا عشگك يا احب طيور الله
واشتهيك ياحزن
ياحزن ياما اشتهيتك).
فعلًا كلنا نشتهيك يا حزن ولامانع لدينا ان نأتي اليك ونبحث عنك اينما تكون لأننا والحق يقال لانستطيع ان نعيش دون حزن لان مسامعنا ونحن في المهد كانت تنتعش بعذابات التي كانت تعيشها الأمهات وتبوح بها في أناء الليل حيث كنا ننام بإيقاعات حزينه دون ان نفهم المعنى وتلك الايقاعات والنوطات جعلتنا نعشق الحزن) واذ لم نجده نبحث عنه من خلال إمراة كمال قال الراحل نزار القباني :
( أريدُ إمراة تجعلني أحزن)!
وبرأي الشخصي ان المبدعين في معظم الفنون وخصوص الشعر جلهم من المحزونين طيلة حياتهم ( لا أبداع دون حزن). النواب رجل قومي من الدرجة الاولى، عربي حتى النخاع ويبكي لكل عربي يتألم في ارجاء وطنه الكبير وهذا بحد ذاته أصبح كابوسه وكتم أنفاسه وجعله ينتقل من هنا الى هنا املاً بالبحث عن صانع قرار يعينه بقوة ليحقق آماله المعهودة(فلسطين)، للاسف الشديد طوال حياتي لم أسمع ولم أرى ولم أقرا ان هناك دولة ما ترسل قواتها للدفاع عن المظلومين واستعادة أراضيهم المغتصبة وتساعدهم وتعينهم ماديًا ومعنويا وفي نفس الوقت تطارد النواب الذي يشترك معها في نفس الهدف باشعاره وقصائده الرائعة التي جعلت منهم أضحوكة بعد ان كشفت خفايا خططهم الماكرة والا لماذا كل هذا الحقد لإنسان يعشق تحرير أراضيه؟ انسان ترك وطنه وناسه من أجل قضية قومية يؤمن بها إيمانًا لا يتزحزح بالرغم من الوقائع التي تثبت ان هدفه لا يتحقق بالمرة( بسبب تقاعس الحكام وقلة اهتمامهم بقضية كانوا يقولون عنها مركزية) وعندما ايقن هذا بحسه القومي أطلق العنان لقلمه الشرس والمشاكس وحاول جهد فكره ان يقول ما في كل قلبه ويفرغ شحنات غضبه على رؤوسهم حيث قال في قصيدة فلسطين عروستنا
(القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
أولاد ….. هل تسكت مغتصبة ؟
أولاد……
لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم..
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم
لا تهتز لكم قصبة
الآن أعريكم
في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي).
كتبها وهو متأكد انه لن يرى الفرح في اية مدينة عربية أخرى لانها اي المدينة ستبقى حزينة على أختها القدس وانه حتماً سيتعرض الى اطلاقة نار من مجهول من أزلام الانظمة التي شملتها قصيدته وعندما أؤكد ان شعراء العراق يحتلون المقدمة بين شعراء العرب لست ابالغ لأنني لم أجد شاعراً عربياً قد كتب مثل هذه القصيدة ابداً ولن يتجرأ على كتابتها مادام يعيش في وطن يمتد من المحيط الى الخليج، النواب لايعترف بحدود الشعر مطلقًا تجده يبدع في كتابته باللغة والفصحى وباللهجة الدارجة العراقية الجميلة وتراه يبدع في الشعر الحر وكذلك أبدع في كتابة أجمل القصائد التي تحولت ألى اغاني واسعة الشهرة وذاع صيتها في كل ارجاء الوطن العربي ومنها ( الريل وحمد ويقول الراحل سعدي يوسف في هذا الشان (هذه القصيدة تمثل زهرة نادرة في بستان الشعر الشعبي العراقي”، بل واعتبرَها نقلة نوعية من القصيدة العامية التقليدية إلى مناخ جديد، كما ظلّت عبارته تتردد في كل النصوص التي كتبت عن النواب وشعره: “أضع جبين شعري كلّه على طريق الريل وحمد)، قصته كما يقال (ان فتاة هاربة من سطوة اهلها جلست في القطار مع النواب وعندما وصل القطار الى ديرة حمد بدأت الفتاة بالبكاء وبحسه الشعري عرف انها كانت تحبه وتركت ديارها من اجل حمد) وكتب يقول: (مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل وسمعنا دق قهوة وشمينا ريحة هيل يا ريل صيحة بقهر صيحة عشق يا ريل هودر هواهم ولك حدر السنابل).
وفي الختام يقول الدكتور حسين في كتابه ( الثورة النوابية) عندما سألتُ المبدع النواب ماذا يقصد بجملة(مثل خيط السمج روحي)؟ اجاب كيف تفسرها انت؟ قلت ربما الخيط الموجود من راس السمكة الى ذيلها او السمك يسير بخط واحد، او او او! اجابني: تركتها لتأويلات عديدة. رحمه الله واسكنه فسيح جناته.