اخر الاخبارثقافة وفنونقسم السلايد شو
أنثى الحجر تشظيات الوجود في لوحة “رحيل الذات” للمستشكيل عماد نافع

بقلم – الناقدة والباحثة التونسية – امال بو حرب
أللوحة تطرح أسئلة عن الهشاشة والقوة بمقايس وأبعاد مختلفة
هل يتفتت الجسد أم يتحرر ليأخذ شكلاً جديداً ؟ أسئلة فلسفية يطرحها ألمتلقي للعمل
(لوحة رحيل الذات)
بعنوان المرأة بين الهشاشة والخلود الرسم والفلسفة حوار بين اللون والفكر
ظل الرسم عبر وسيطاً بصرياً يتجاوز التصوير الحسي إلى التعبير عن الوجود الإنساني فلم يكن انعكاساً للعالم المرئي بل محاولة لفهم الحياة والزمن والذات عبر اللون والخطوط يقول هايدغر: “الفن انكشاف للحقيقة”، بينما يرى ميرلو-بونتي أنه “إعادة خلق للعالم” ولعل ما لامسته من لوحة المستشكيل العالمي عماد نافع من عمق الفلسفي تجاوز الشكل الظاهر لتطرح اللوحة أسئلة عن الهشاشة والقوة بمقايس وابعاد مختلفة . تتميز اللوحة بتقنية فرشاة دقيقة تخلق تناقضاً بين ملمس الجسد الحجري الناعم الظاهري والخشونة الضمنية. تتدفق الخطوط في اللوحة بشكل عضوي، حيث يبدو كل خط وكأنه يحمل قصة خاصة، منحوتة بعناية لتشكل سرداً بصرياً للصراع الوجودي و الألوان الترابية المهيمنة على العمل تذكرنا بألوان الآثار القديمة، وكأن الفنان يحول المرأة إلى قطعة أثرية معاصرة. حوار بين الجسد والمادة الجسد هنا كيان متحول يحمل ندوب الزمن كوشم. ليس جسداً نمطياً بل كياناً جديداً متصدعاً لكنه قائم. هذا التصدع يعكس الألم والتجارب، لكنه أيضاً شهادة بقاء. نذكر هنا مفهوم نيتشه عن “الإنسان الأعلى” الذي يتجاوز ضعفه عبر الألم المرأة في اللوحة رغم تشققاتها واقفة، صامتة تثبت أن الصمود قدرة على تحمل الألم والمضي قدما بهدوء وعند التمعن في التفاصيل، نلاحظ كيف أن التشققات في الجسد الحجري ليست عشوائية، بل تشكل شبكة معقدة من الخطوط التي تتبع حركة العضلات تحت الجلد. بعض هذه التشققات عميقة وكأنها جراح مفتوحة، بينما أخرى سطحية تشبه التجاعيد أما العيون المنحوتة بدقة تحمل نظرة ثاقبة، نظرة تختزل آلاماً وأسراراً لا حصر لها فالأصابع المتماسكة رغم التآكل الجزئي تظهر قوة خفية في القبضة. بين الانهيار والصمود الألوان الداكنة المحيطة تخلق غموضاً وعزلة، كأن المرأة بين العدم والوجود. هذه الخلفية فضاء فلسفي يرمز للمجهول هل يتفتت الجسد أم يتحرر ليأخذ شكلاً جديداً؟ يتقاطع هذا الموقف مع فكر سارتر عن الوجود والعدم، حيث يخلق الإنسان نفسه رغم العبث والمرأة هنا كأنها تولد من جديد، تعيد تشكيل ذاتها رغم التشققات فالخلفية ليست مساحة فارغة، بل تحتوي على تموجات لونية خفية تشبه دخاناً متصاعداً أو غيوماً بعيدة هذه التموجات تخلق إحساساً بالحركة، وكأن المشهد ليس ثابتاً بل في حالة تحول دائمة الضوء في اللوحة يأتي من اتجاه غير واضح، فيلقي بظلال متشظية على الوجه والجسد، مما يعزز الإحساس بالغموض و اللايقين ظل الأنف الطويل يتداخل مع تشققات الخد ليشكل نمطاً هندسياً مؤثراً وكأن المرأة تمثبل للوجود يمكن قراءة اللوحة كتعبير عن المرأة الحديثة التي تحمل أعباء الماضي وتواصل المسير وتعكس فكرة “الهوية المتحولة” التي تتشكل عبر التجربة والصراع كما يمكن رؤيتها كصورة للإنسان عامةً، الكائن الذي يحمل تاريخه منحوتاً على جسده وروحه، يصمد رغم تصدعات الزمن هذا يتقاطع مع مفهوم” أونامونو “عن “المأساة البشرية” وصراع الخلود والفناء. وعند التدقيق في التفاصيل نلاحظ أن الشعرالمنحوت ليس كتلة واحدة، بل خصلات منفصلة تبدو وكأنها تتحول إلى حجارة أو تذروها الرياح بينما منطقة الصدر تحمل تشققات تشبه الخرائط الجغرافية، كأنها تحمل تاريخاً مكانياً بالإضافة إلى التاريخ الزمني والرقبة الممتدة بشكل غير طبيعي تعطي إحساساً بالامتداد نحو الأعلى، ربما نحو الخلاص أو ربما نحو المجهول. الفن كإعادة خلق للذات اللوحة ليست صورة بل تجربة بصرية وفكرية تدفعنا لإعادة النظر في مفاهيم القوة والهشاشة والهوية. الفن هنا وسيلة لفهم العالم وإعادة خلقه تطرح اللوحة السؤال: هل نحن كائنات تتفتت أم نستطيع خلق قوة من هشاشتنا؟ من خلال التفاصيل الصغيرة نكتشف المزيد هناك مناطق في اللوحة حيث يبدو الحجر وكأنه يتحول إلى لحم، ومناطق أخرى يتحول فيها اللحم إلى حجر هذه المناطق الانتقالية هي الأكثر إثارة حيث تظهر قدرة الفنان على مزج المتناقضات فظل الشفة السفلى الممتد بشكل غير طبيعي يخلق وهم الحركة، كأن المرأة على وشك الكلام أو ربما الصراخ أما الأذن المنحوتة بدقة متناهية تظهر وكأنها تستمع إلى أصوات من عالم آخر. يقول كريشنامورتي: “ليس المهم كيف يراك الآخرون بل كيف ترى نفسك”ربما تكون رسالة اللوحة أننا لسنا شظايا، بل كلٌ متكامل حتى وإن كان متصدعاً في أصغر التفاصيل، في كل خط منحوت، في كل ظل متشكل، توجد قصة مقاومة وصمود حتى أصغر التشققات تحمل في طياتها بذور القوة، وكأن الفنان يقول لنا:
( انظروا بعمق ففي كل صدع عالم كامل ينتظر الاكتشاف ) .