ثقافة وفنون

رومانسية الحب بين الشرق والغرب

 

أ.د. مهند الفلوجي
التوصيف المجازي للحب الشرقي:
وعدا قدسية الحب الشرقي الحلال يفترق الشرق أيضًا عن الغرب في رومانسية الحب بتوصيف الحبيب مجازًا في الأدب العربي بالقمر والبدر والشمس والنجوم لعلو مكانته واحترامه الشديد في قلب الحبيب. ونرى عذوبة هذا التوصيف وتوظيف مفردات الجمال الكوني والطبيعي في قصائد طوق الحمامة:
غـزالٌ قـد حـكـى بـدر الـتــمــام
كشمسٍ قد تجلّت من غـمام
سَـبـى قــلـبي بألحــاظٍ مِـــــراضٍ
وقدّ الغصن في حسن القـوام
خـضـعـتُ خـضـوعَ صَبٍّ مُستكين
لــه وذللــتُ ذِلـّـــة مُـسـتهام
فصِلني يا فـديتـُـك فـي حــلالٍ
فما أهـوى وصــالاً في حـرام
ولا يزال القمر رمزًا للحب العفيف في الشعر العربي الحديث:
فهذا نزار قباني الشاعر السوري المنشأ واللبناني واللندني الإقامة والعراقي الهوى والزوجة (زوجته بلقيس الراوي) والذي يعدّه الكثير (متنبي العصر الحديث).
أأقــول أحـــبّــكِ يا قــمــري؟
آهٍ لــــو كـانَ بإمـكـاني
فــأنــا لا أمـــلكُ في الــدنيــا
إلا عــيـنـيــكِ وأحـــزانــي
سُــفــني في المـرفـأ باكـيــةٌ
تـتـمـزّقُ فــوقَ الخـلـجـانِ
يا صيفي الأخضرَ يا شمسي
يا أجمـلَ .. أجمـلَ ألـواني
هــل أرحــلُ عـنكِ وقـصّـتنا
أحلى من عـودةِ نيـسـانِ
أحلى من زهــرةِ غـارديـنيا
في عُـتـمةِ شعـرٍ إسـبـاني
أأقــــولُ أحــبـكِ يا قمـري؟
آهٍ لـــو كـان بإمـكـانـــي
الحب العذري: هو فرق فيصلي آخر بين الشرق والغرب حيث تهيمن في الغرب العلاقات الجنسية الحميمية والجسدية البحتة منذ بداية العلاقات العاطفية وقبل الزواج بل وقبل أي ارتباط مشروع. ومن هنا يُعدّ الحب العذري ماركة شرقية مسجلة استثنائية, حيث يمثل الحب العذري تشبب عاشقٍ متيم بحبيبةٍ واحدة. ويزخر الأدب العربي والإسلامي بقصص الحب العذري وتفاني الحبيب في محبوبته. والشعر العذري لونٌ من ألوان الشعر الذي يعبّر عن المشاعر العفيفة الطاهرة، ويصف الشاعر لوعته في الحب، وآلامه جرّاء فراق محبوبته، وعواطفه الجيّاشة تجاهها بدون فحش التصوير، أو الحديث عن محاسنها الجسديّة وصفاتها المحسوسة، وقد سُمِيَ هذا الشعر بالعذري نسبةً لقبيلة “عُذرة” كانت موجودةً في الجاهليّة، واشتهر أبناؤها برقّة مشاعرهم وكثرة العشاق منهم، والذين تميّزوا بالصدق في عواطفهم، حتى قيل أنهم كانوا يموتون حبًّا.
خصائص الشعر العذري: للشعر العذري مميزات تجعله يختلف عن غيره من أنواع الشعر، وتتلخّص فيما يلي:
• انعكاس الأخلاق على الشعر، والعفاف في مفردات الحب وتضمينه معانٍ رقيقةً بعيدةً عن الفحش والبذاءة.
مع عذوبة ورقة التصوير للأحاسيس (وبعد عن القسوة).
• الإخلاص لفتاةٍ واحدةٍ (المحبوبةً).
• مرور الشاعر في درجات العشق المختلفة والعذاب، من الحب إلى الهيام إلى الجنون، فالكثير منهم كانت نهاية قصصهم الهروب إلى الصحراء والبراري، أو الجنون وفقدان العقل، والتحدّث إلى الطير والحيوانات. وأحيانًا تنتهي بالموت.
• الديمومة: فهو لا يأبه للقسوة بسبب الفراق، أو الملل لعدم لقاء المحبوبة.
• وضوح اللغة والعبارات: يتجلّى ذلك ببساطة الكلمات والألفاظ، وأكثر ما يتميز به هو الأسلوب المباشر في التعبير.
• وحدة الموضوع: فمعظم القصائد العذرية تقتصر على موضوع الغزل والتعلّق بالمحبوبة؛ حيث يبدأ الشاعر قصيدته بالوقوف على أطلال المحبوبة التي فارقته ورحلت عنه، ومن ثم يصف معاناته، ولوعة أشواقه.
شعراء الحب العذري
يجدر بالذكر أن فترة الجاهلية هي بداية الشعر العذري، ولما جاء الإسلام هذّب نفوس الناس وزرع التقوى في قلوبهم الأمر الذي أدى إلى لتقوية هذا الشعر، وقد بلغ الشعر العذري أوج تميّزه وإبداعه في ظلّ العصر الأموي نظرًا لانتشار حياة الثراء والترف والبذخ في ذاك الزمان.
الحب الأفلاطوني أو الحب العذري في مفهومه المعاصر هو حالة عاطفة أو حب غير مرتبطة بشهوة أو ممارسة جنسية. وتدور الكثير من الأفلام المصرية القديمة والأفلام الهندية حول الحب العذري، ورغم تغير الزمان تبقى علاقات الصداقة المعاصرة بين شخصين حبًّا عذريًا لا يخضع لأي مفهوم جنسي غالبًا.
يتميز الحب أو الغزل الصريح بأنه إباحيٌّ أو فاحش، ويسعى فيه الشاعر إلى تحقيق المتعة المادية من خلال وصف المفاتن الخارجية للمرأة، واستعراض لمغامراته معها، ولمجالس المجون والمتعة، ومن أشهر شعرائه بشار بن برد، وعمر بن أبي ربيعة، وأبو نواس.
عنترة العبسي في حبه العذري لابنة عمه عـبلة (التي تزوجها بعد معاناة شديدة):
ولولاهـــا فـتــاةٌ في الخِيـام مُـقـيـمـةٌ
لما اخترت قرب الدار يوماً على البُعـدِ
مُهـفـهـفةٌ والسـِـحرُ في لـَحظاتـِهــــــا
إذا كلّـّمـت مـَيـتـاً يقـــوم من اللحــدِ
أشارت إليها الشمس عـند غـروبهـا
تقـول إذا اسـوَدَ الدُجى فاطلعي بعـدي
كسَيفِ أبيهـا القاطعِ المُرهـَفِ الحـَــــدِّ
تـقـاتـــل عـينــاهـا بـه وهـو مُـغـمـــد
عروة بن حزام العذري: من شعراء صدر الإسلام وقد توفي عروة بن حزام سنة 30 هجرية – 650 ميلادية في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو شاعر من قبيلة بني عذرة، أحبّ ابنة عـمّه عـفـراء وهام بها، ولكنها أيضًا أجبرت على الزواج بغيره فتوفي كمدًا عليها فزارت قبره وانتحبت وتوفيت على قبره.
توبة بن الحمير: هو شاعر كان يعرف بأنه عاشق ليلى الأخيلية، ومات من شدة عشقه لها وماتت هي بعد أن سلمت عليه في قبره.
الشاعران الصديقان المتعاصران: جميل بثينة وكثير عزة
عاش الشاعران في زمن واحد. وكانا صديقين. بل إن بثينة وعزّة كانتا أيضًا صديقتين. كان كُثَيِّر عزَّة في بداية حياته الشعرية راوية لجميل بثينة يحفظ شعره ويرويه ويقدمه على شعره. وكان لجميل قدر كبير لدى كُثَيِّر، حيث اعتبره أستاذه.
جميل بن معمر العُذْري القُضاعي (توفي 82 هـ/701م) أو جميل بثينة شاعر من عشاق العرب المشهورين. كان فصيحًا مقدمًا جامعًا للشعر والرواية. نسبته إلى عذرة (وهي قبيلة مشهورة بالعشق والجمال) وهي بطن من قضاعة من شعراء العصر الأموي. وكان جميل جميلاً على اسمه، حسن الخلقة، كريم النفس، شاعرًا، مرهف الحس رقيق المشاعر، وصاحبته بثينة وهما جميعًا من عذرة وكانت تُكنى (أمّ عبد الملك) والتي انطلق يقول فيها الشعر حتى وفاته، كقوله:
يا أُمّ عبدالملكِ اصرميني فبيّني صُرمكِ أو صليني
و “للنص بقية “).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق
إغلاق